السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كانت الأماني و الآمال قد انهارت وتفتت , كما لو أنها حطام تراكم منذ عصور قديمة , وكنت قد فقدت مشاعري وأحاسيسي , بأنني إنسان يحمل اسم الإنسانية , من حقه أن يحب و يعيش حياته كأي شاب في عنفوان الشباب , كل شيء حولي كان ينم على أن الحياة الجميلة الخلابة قد أظهرت لي صورتها السوداء الداكنة , التي كانت تخفيها وراء ابتساماتها الخادعة المصطنعة , لقد تحولت إلى شبح إنسان هرم يفوق عمره كل تلك العصور التي مرت , تارة أختلج كعصفور ذبح وشارف على الموت , وتارة أرتجف كشيخ كبير أدماه المرض المرير العليل ,وكنت على كرسي الإعاقة , أعاني بصمت بيني وبين نفسي , وفجأة سمعت رنينا , كان ذلك صوت آلة صغيرة عجيبة , جهاز الهاتف , فاستيقظت من موتي , كما لو أنني كنت مجمدا منذ آلاف السنين بدت لي الأرض كأنها كوكب آخر لم أزره قط في يوم من الأيام , ودفعني الفضول لأرفع السماعة التي تقبع فوق هذا الجهاز الغريب , و وضعتها تلقائيا ودون تفكير على أذني , لأسمع صوتا ملائكيا يقول : مساء الخير , لقد أحسست للوهلة الأولى , أنني بعد ما كنت رمادا عدت إلى حياة الجنة الخالدة , وأن التي تكلمني عبر ذلك الجهاز الساحر , حورية من الحور العين اللواتي يقطنّ في جنان الخلد , كانت كلمة مساء الخير من شفاهها , ترقى بي إلى عالم آخر , مليء بالإحساس والمشاعر السامية والحب الدفين داخل أعماقي , لقد أحيت بصوتها الشجي الشادي
كل ذرة مشاعر في كياني , و حركت كل خلية في جسدي البالي المتعفن من كثرة القرون التي مر بها , كان ذلك الصوت المتلألئ , وصداه العذب يشفي كل عليل ويحيي كل قتيل قتله الهوى
كان ذلك صوت فتاة فاتنة ، تخفي بين حنايا صوتها سحرا يستطيع أن يغمر الكون بأسره , لقد بدأ ذلك العجوز الهرم , يستعيد شبابه رويدا , رويدا , جراء تلك الكلمات الساحرة , التي نبهه الله بها بعد ثبات دام طويلا , وفي لحظة وقبل أن يرد التحية , نسي أنه معاق , أحس بجسده كما في الماضي , فإذا هو شاب عريض المنكبين , طويل القامة , ظاهر الوسامة , وبدا كإنسان يتمتع بكل ميزات الكمال لشاب فائق الحسن , وقطع حبل الصمت وقال : مساء النور فقالت ما بك أيها الشاب لم كل هذا الصمت الطويل , هل تكلمت بلغة لم تسمع بها من قبل ؟؟
فقال : لا والله لقد سمعت هذه اللغة ولكن لأول مرة في حياتي , اسمع هذا الصوت الرقيق رفيع المستوى , الذي لم يسمع به إنسان من قبل , فاصدقيني القول , هل أنت بشر , أم ملاك ؟؟ فقالت : لست هذا ولا ذاك, و إنما أنا حورية من الجنة وهبها الله لك , مكافأة على صبرك وتحمل آلامك , ولكنني بصورة فتاة يافعة , أتيت لأخلصك من أحزانك وآهاتك ولأزرع البسمة على شفاهك الوردية العطرة , فقال : الحمد الله أنني رزقت بأبهى حورية , وربما بأبدع مخلوقات الله سبحانه وتعالى .
فقالت : لكنني نزلت إلى الأرض , لأوصل لك رسالة من الله عز وجل يقول لك فيها :
( وما يلقاها إلا الذين صبروا , وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم )
فاستيقظت من نومي على جرس الهاتف !! الذي كان يرن فعلا , واكتشفت أنني كنت في حلم جميل , وتطلعت حولي لأجد أنني مازلت في المشفى , ورفعت السماعة , لأسمع صوت ملاك يقول بلهفة : عصام كيف حالك ؟؟
هل أجريت العملية ؟؟
هزني صوتها الرقيق , الذي أسمعه لأول مرة على الهاتف , وقلت : عفوا من المتكلم ؟؟
قالت : أنا فتاة كانت بجانبك يوما ما , أحبتك بصمت , ولم تكن تلتفت إليها أبدا , وبعد الحادث عاشت كثيرا من آلامك , لن أبوح باسمي , فاسمي ليس له أهمية بجانب الهمسة التي أريد أن أهمسها في أذنك : أعرف أنك تخوض الحياة ببطولة و إقدام , وتجاوزت الكثير من الصعاب
فهنيئا لك يبدو أن الله يمتحنك في صبرك , ليجزل لك الأجر بعد أن ودعتها , جلست مع نفسي مذهولا متأملا , كان صوتها هو ذات الصوت الملائكي , الذي سمعته في حلمي , من حوريتي الساحرة , عندما كنت في الجنة , في زيارة خاطفة .
الكاتب عصام عبد الغني طلب
عضو الجمعية السورية للموهبة والإبداع